قصة لبديع بديع صقور



يبتهلون للريح...
وتجيء الريح...
تحمل أصوات مواقدهم خلف أفق البحار.
يهللون للشواطئ...
وتقترب الشواطئ...
على سارية الموج تخفق رايةُ أرواحهم.
يغنون للينابيع..
تتفجر ينابيع قلوبهم..
تتلألأ كالنجوم.
وقفوا فوق جبال الأحلام
وكانوا يرتلون صلاة الشمس!!



كلام على درب







-1-
كان يمشي، وكانت الدروب عريضة.. وواضحة..
في ساحة الطفولة، وفي احتفالات العصافير المهيبة، كان الدرب أبيض كالقمر..
كان يمشي، ويمشي.. اغبرَّ الدرب، صار حمل السنين ثقيلاً.. تطاولت الأشواك، وضاقت الدروب، أتعبته مطاردة الأحلام..
كان يمشي إلى كوخه، ومن كوخه، تحت فضاء العصافير..
تساقطت الثلوج وتساقطت، غطت كوخه الصغير، وضاعت معالم الدرب دونه!!
تسامق حزنه كاللبلاب، وانتشر على خريطة الوجوه ندوباً وتجاعيد..
هوى الكوخ، فجلس فوق حجارته النسيان، وكاد يغطيه تماماً..
رحل وبقي الكوخ، أظلمت الدروب، لم يبق الدرب أبيض كالقمر..
انتهرته الدروب:
-قلوبكم هي التي لم تبق بيضاً، تنافرت وغدت كالصوان
-من الذي جعلها كالصوان؟
-أنتم.. أنتم أغلقتم كل دروب البحر.
-نخاف على البحر، ونحزن لضياعه.
-لا تحزنوا لضياع البحر، أنتم من أضاع البحر، وأنتم من أغلق الدروب.
-نريد أن نوصل البحر إلى بيته.
-دعوا البحر، وسيصل البحر إلى بيته، لا تخافوا من وصول البحر، من قال لكم إن البحار تضيع.
-البحار لا تعرف دروبها
-أنتم من أخفى الدروب
-إنه التيه
-روحكم هي التيه
-نريده أن يصل
-دعوه وحده، وسيصل
-نحبه كثيراً
-تحبون أنفسكم
-لا تحبون أحداً
-أرواحنا تنهار عليه خوفاً
-تخافون على أراوحكم، التي تسكن الظلام
-أرواحنا؟
-لا تعرف إلا ذاتها
-نريد شجرة حب نتفيّأ ظلها جميعاً
-تريدونها لكم فقط.
-2-
وظل يمشي..
اختلطت مفارق الدروب.. أصابه اليأس، وحلَّ التعب، جلس على قارعة الدرب وحيداً، وكي لا تسيطر عليه وحدته، وتخنق روحه، أخرج كتاب وحشته، وقرأ:
-افتح باب قلبك للعصافير، ضمها بين أغصان روحك، قبل أن يدهمها الصقيع القادم، المحمل برياح الثلوج والخراب..
-أغلق نوافذ دمك في وجه الصقيع القادم، وارفع ستائر الصباح لشمس النهار.. لا تتردد، دع عنك هذا الحزن، وستتولى العصافير حمله بعيداً عنك، وما عليك الآن إلا أن تصفق، وترقص ليظل النهار بهياً ومتلألئاً كعناقيد الكروم.
-3-
وطوى كتاب وحشته، نهض واقفاً، سحب عكازه، أسند يده عليه، وراح يطوي الدروب وحيداً، خاف من الوحدة، وطغيانها على الروح، فشرع بالغناء:
الماء روح الشجر
الغناء طبع الشجر
الشجر كالعاشقين
بلا حب يموت
بلا غناء يموت
-4-
واصل طي الدروب في غابات الجفاف، وواصل الغناء:
قد نفترق يا قلبي الصغير
قد تنفصل غزالة الروح
قد تبتعد غزالتي الشريدة
لتبقى ظلال الدروب
لتبقى ظلال الدروب.

نايس توبيك
تسلم ايديك

تسلم ايدك موضوع مميز